فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)}.
وسبق أن قال سبحانه على لسان نوح: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ...} [الأعراف: 62].
فلماذا قال في قوم نوح: {أَنصَحُ لَكُمْ}، وقال هنا في عاد: {وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}؟
لقد قال الحق: {أَنصَحُ لَكُمْ} في قوم نوح لأن الفعل دائمًا يدل على التجدد، بينما يدل الاسم على الثبوت. ونظرًا إلى أن نوحًا عليه السلام كان يلحّ على قومه ليلًا ونهارًا، وإعلانًا وسرًّا، لذلك جاء الحق بالفعل: {أَنصَحُ لَكُمْ} ليفيد التجدد، ولكن في حالة قوم هود جاء سبحانه بما يفيد الثبوت وهو قوله: {نَاصِحٌ أَمِينٌ}؛ لأن هودًا عليه السلام لم يلح ويكرر على قومه في دعوتهم إلى الإِيمان كما كان يفعل نوح عليه السلام. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال التستري:
وقوله تعالى: {وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [68] ومن لم ينصح الله في نفسه ولم ينصحه في خلقه هلك، ونصيحة الخلق أشد من النفس، وأدنى نصيحة النفس الشكر، وهو أن لايعصى الله تعالى بنعمه.
وسمعته مرة أخرى يقول: النصيحة أن لا تدخل في شيء لا تملك صلاحه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (69):

قوله تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان يعرف ما يعتقدونه من أمانته وعقله، وظن أنه ما حملهم على هذا إلا العجب من أن يطلع على ما لم يطلعوا عليه، أنكر عليهم ذلك ذاكرًا لما ظنه حاملًا لهم ملوحًا بالعطف إلى التكذيب فقال: {أوعجبتم} أي أكذبتم وعجبتم {أن جاءكم ذكر} أي شرف وتذكير {من ربكم} أي الذي لم يقطع إحسانه عنكم قط، منزلًا {على رجل منكم} أي عزه عزكم وشرفه شرفكم فما فاتكم شيء {لينذركم} أي يحذركم ما لمن كان على ما أنتم عليه من وخامة العاقبة.
ولما كان التقدير: فاحذروا، عطف عليه تذكيرهم بالنعمة مشيرًا به إلى التحذير من عظيم النقمة في قوله: {واذكروا إذ} أي حين {جعلكم خلفاء} أي فيما أنتم فيه من الأرض، ولما كان زمنهم متراخيًا بعدهم، أتى بالجار فقال: {من بعد قوم نوح} أو يكون المحذوف ما اقتضاه الاستفهام في قوله: {أو عجبتم} من طلب الجواب، أي أجيبوا واذكروا، أي ولا تبادروا بالجواب حتى تذكروا ما أنعم به عليكم، وفيه الإشارة إلى التحذير مما وقع لقوم نوح، أو يكون العطف على معنى الاستفهام الإنكاري في {أفلا تتقون}، {أو عجبتم} أي اتقوا ولا تعجبوا واذكروا، أو يكون العطف- وهو أحسن على {اعبدوا الله} وقوله: {خلفاء} قيل: إنه يقتضي أن يكونوا قاموا مقامهم، ومن المعلوم أن قوم نوح كانوا ملء الأرض، وأن عادًا إنما كانوا في قطعة منها يسيرة وهي الشجرة من ناحية اليمن، فقيل: إن ذلك لكون شداد بن عاد ملك جميع الأرض، فكأنه قيل: جعل جدكم خليفة في جميع الأرض، فلو حصل الشكر لتمت النعمة، فأطيعوا يزدكم من فضله، وقيل: إن قصة ثمود مثل ذلك، ولم يكن فيهم من ملك الأرض ولا أرض عاد، فأجيب بما طرد، وهو أن عادًا لما كانوا أقوى أهل الأرض أبدانًا وأعظمهم أجسادًا وأشدهم خلقًا أشهرهم قبيلة وذكرًا، كان سائر الناس لهم تبعًا، وكذا ثمود فيما فيما أعطوه من القدرة على نحت الجبال ونحوها بيوتًا، وعندي أن السؤال من أصله لا يريد فإن بين قولنا: فلان خليفة فلان، وفلان خليفة من بعد فلان- من الفرق ما لا يخفي، فالمخلوف في الثاني لم يذكر، فكأنه قيل: جعلكم خلفاء لمن كان قبلكم في هذه الأرض التي أنتم بها، وخص قوم نوح وعاد بالذكر تذكيرًا بما حل بهم من العذاب، ولهذا بعينه خص الله هذه الأمم التي وردت في القرآن بالذكر، وإلا فقد كانت الأمم كثيرة العد زائدة على الحد عظيمة الانتشار في جميع الأقطار، ومعلوم أن الله تعالى لم يترك واحدة منها بغير رسول {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا} [الإسراء: 15] وفي قصة هود في سورة الأحقاف {وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه} [الأحقاف: 21]؛ وله سر آخر وهو أن هذه الأمم كان عند العرب كثير من أخبارهم ففصلت لهم أحوالهم، وطوي عنهم من لم يكن عندهم شعور بهم فلم يذكروا إلا إجمالًا لئلا يسارعوا إلى التكذيب بما ينزل فيهم من غير دليل شهودي يقام عليهم.
ولما ذكرهم بمطلق الإبقاء بعد ذلك الإغراق العام، أتبعه التذكير بالزيادة فقال: {وزادكم} أي على من قبلكم أو على من هو موجود في الأرض في زمانكم {في الخلق} أي الخاص بكم {بسطة} أي في الحس بطول الأبدان والمعنى بقوة الأركان، قيل: كان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعًا، وقيل: أكثر.
ولما عظمت النعمة، كرر عليهم التذكير فقال مسببًا عن ذلك {فاذكروا آلاء الله} أي نعم الذي استجمع صفات العظمة التي أنعم عليكم بها من الاستخلاف والقوة وغيرهما، واذكروا أنه لا نعمة عندكم لغيره أصلًا، فصار مستحقًا لأن تخصوه بالعبادة {لعلكم تفلحون} أي ليكون حالكم حال من يرجي فلاحه وهو ظفره بجميع مراده، لأن الذكر موجب للشكر الموجب للزيادة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

والفرق السادس: بين القصتين أن نوحًا عليه السلام قال: {أوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ على رَجُلٍ مّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 63] وفي قصة هود أعاد هذا الكلام بعينه إلا أنه حذف منه قوله: {وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} والسبب فيه أنه لما ظهر في القصة الأولى أن فائدة الإنذار هي حصول التقوى الموجبة للرحمة لم يكن إلى إعادته في هذه القصة حاجة، وأما بعد هذه الكلمة فكله من خواص قصة هود عليه السلام وهو قوله تعالى حكاية عن هود عليه السلام: {واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف: 69].
واعلم أن الكلام في الخلفاء والخلائف والخليفة قد مضى في مواضع، والمقصود منه أن تذكر النعم العظيمة يوجب الرغبة والمحبة وزوال النفرة والعداوة، وقد ذكر هود عليه السلام هاهنا نوعين من الأنعام: الأول: أنه تعالى جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح، وذلك بأن أورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم وما يتصل بها من المنافع والمصالح.
والثاني: قوله: {وَزَادَكُمْ في الخلق بَسْطَةً}.
وفيه مباحث:
البحث الأول: {الخلق} في اللغة عبارة عن التقدير، فهذا اللفظ إنما ينطلق على الشيء الذي له مقدار وجثة وحجمية، فكان المراد حصول الزيادة في أجسامهم، ومنهم من حمل هذا اللفظ على الزيادة في القوة، وذلك لأن القوى والقدر متفاوتة، فبعضها أعظم وبعضها أضعف.
إذا عرفت هذا فنقول: لفظ الآية يدل على حصول الزيادة واعتداد تلك الزيادة، فليس في اللفظ ألبتة ما يدل عليه إلا أن العقل يدل على أن تلك الزيادة يجب أن تكون زيادة عظيمة واقعة على خلاف المعتاد، وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر في معرض الإنعام فائدة.
قال الكلبي: كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعًا، وقال آخرون: تلك الزيادة هي مقدار ما تبلغه يدا إنسان إذا رفعهما، ففضلوا على أهل زمانهم بهذا القدر، وقال قوم يحتمل أن يكون المراد من قوله: {وَزَادَكُمْ في الخلق بَسْطَةً} كونهم من قبيلة واحدة متشاركين في القوة والشدة والجلادة، وكون بعضهم محبًا للباقين ناصرًا لهم وزوال العداوة والخصومة من بينهم، فإنه تعالى لما خصهم بهذه الأنواع من الفضائل والمناقب فقد قرر لهم حصولها، فصح أن يقال: {وَزَادَكُمْ في الخلق بَسْطَةً} ولما ذكر هود هذين النوعين من النعمة قال: {فاذكروا ءالاءَ الله} وفيه بحثان:
البحث الأول: لابد في الآية من إضمار، والتقدير: واذكروا آلاء الله واعملوا عملًا يليق بتلك الإنعامات لعلكم تفلحون.
وإنما أضمرنا العمل لأن الصلاح الذي هو الظفر بالثواب لا يحصل بمجرد التذكر بل لابد له من العمل، واستدل الطاعنون في وجوب الأعمال الظاهرة بهذه الآية وقالوا: إنه تعالى رتب حصول الصلاح على مجرد التذكر، فوجب أن يكون مجرد التذكر كافيًا في حصول الصلاح.
وجوابه ما تقدم من أن سائر الآيات ناطقة بأنه لابد من العمل.
والله أعلم.
البحث الثاني: قال ابن عباس: {آلاءَ الله} أي نعم الله عليكم.
قال الواحدي: واحد الآلاء إلى وألو وإلى.
قال الأعشى:
أبيض لا يرهب الهزال ولا ** يقطع رحمًا ولا يخون إلي

قال نظير الآلاء الآناء، واحدها: أنا وإني وإني، وزاد صاحب الكشاف في الأمثلة فقال: ضلع وأضلاع، وعنب وأعناب. اهـ.

.قال السمرقندي:

{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِن رَّبِّكُمْ} يعني الرسالة والبيان {على رجل منكم} تعرفون نسبه {لِيُنْذِرَكُمْ} بالعذاب {وَاذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} أي جعلكم خلفاء في الأرض بعد هلاك قوم نوح {وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} أي: فضيلة في الطول على غيركم.
والخلفاء والخلائف جمع الخليفة.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو بسْطة بالسين.
وقرأ حمزة بإشمام الزاي.
وقرأ الباقون بالصاد.
قال ابن عباس رضي الله عنهما كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعًا.
وروى إبراهيم بن يوسف عن المسيب عن الكلبي قال: كان طول قوم عاد أطولهم مائة وعشرين ذراعًا وأقصرهم ثمانون ذراعًا.
وقال مقاتل عن قتادة: كان طول كل رجل منهم اثني عشر ذراعًا فذلك قوله: {التى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا في البلاد} [الفجر: 8] ويقال: كان بين نوح وبين آدم عشرة آباء كلهم على الإسلام.
وكان إدريس جد أبي نوح ولم يكن بين آدم ونوح نبي مرسل، وكان إدريس نبيًا ولم يؤمر بدعوة الخلق، ويقال: أنزل عليه عشرون صحيفة، وقد آمن به كثير من الناس، وكان بين نوح وإبراهيم ألف سنة ويقال: ألفان وأربعون سنة وكان بين إبراهيم وموسى ألف سنة.
وكان بين موسى وعيسى ألف سنة.
وبين عيسى ومحمد عليه السلام خمسمائة سنة.
وكان هود بين نوح وإبراهيم فلما دعا قومه فكذبوه، أنذرهم بالعذاب، وقال: إن الله تعالى يرسل عليكم الريح فيهلككم بها، فاستهزؤوا به وقالوا: أي ريح يقدر علينا، فأمر الله تعالى خازن الريح أن يخرج من الريح العقيم التي هي تحت الأرض مقدار ما يخرج من حلقة الخاتم، كما قال في آية أخرى {واستمع يَوْمَ يُنَادِ المناد مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} [الذاريات: 41] فجاءتهم وحملت الرجال والدواب كالأوراق في الهواء فأهلكتهم كلهم فلم يبق منهم أحد.
كما قال: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْء بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مساكنهم كَذَلِكَ نَجْزِى القوم المجرمين} [الأحقاف: 25] وذلك بعد ما أنذرهم وأخذ عليهم الحجة وذكرهم نعم الله تعالى، قال لهم: {فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ} أي: اشكروا نعمة الله قال بعضهم: الآلاء إيصال النعم، والنعماء دفع البلية.
وقال بعضهم على ضد هذا، وقال أكثر المفسرين: الآلاء والنعماء بمعنى واحد {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} يعني: لكي تنجوا من البلايا ومن عذابه. اهـ.